القائمة الرئيسية

الصفحات

القضاء الاداري بين سلطة الادارة وحرية الافراد

القضاء الاداري بين سلطة الادارة وحرية الافراد

حماية الحقوق والحريات مسألة يهتم بها سائر فقهاء القانون كما يفاخر بها كل نظام سياسي،
ذلك أن كل الناس متساوين في الحقوق والحريات، وهي مطالب أخلاقية مكفولة لجميع الأفراد
بموجب إنسانيتهم بحد ذاتها، وتفصل هذه الحقوق وتتشكل فيما يعرف اليوم بحقوق الإنسان
وحرياته الأساسية، والتي ترجمت إلى شكل حقوق قانونية، وضعت وفقا لعمليات صنع القوانين
في المجتمعات الدولية. وقد اقتضت وظيفة القضاء الإداري العمل على ضمان احترام الحقوق
والحريات من خلال الرقابة على أعمال الإدارة وضمان مشروعية تصرفاتها، وتعد الرقابة
القضائية أحد الضمانات القانونية التي تكفل احترام مبدأ المشروعية، والذي ترتكز عليه دولة
القانون باعتبارها أحد أكثر أنواع الرقابة أهمية وفعالية لحماية الحقوق والحريات، وهذا راجع
لما تتوافر عليه هذه الأخيرة من اعتبارات منها ما يتعلق باستقلالية القضاء .
وفي إطار ممارسة الرقابة القضائية هناك من الدول من تأخذ بنظام القضاء الموحد ولا تفصل
بين المنازعات الفردية والمنازعات الإدارية فكلا المنازعتين تنظر أمام القضاء العادي، وهناك
من الدول من تأخذ بازدواجية القضاء ، ومن بينها الجزائر بحيث تخضع الأشخاص المعنوية
المذكورة في نص المادة 800 و 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى اختصاص
القضاء الإداري، ضمانا لتحقيق المصلحة العامة وحماية الحقوق والحريات من تعسف الإدارة
نظرا لما لها من امتيازات وسلطات في مواجهة الأفراد كإصدارها للقرارات الضبطية بإرادتها
المنفردة، وتبرر رقابة القضاء الإداري بإمكانية خروج الإدارة عند ممارسة نشاطها الإداري
عن حدود القانون، مما يؤدي إلى المساس بالمراكز والحقوق المكتسبة للأفراد، الأمر الذي
يتطلب وجود ضمانات للأفراد في مواجهة الإدارة .

وحتى يكون العمل الإداري مشروعا كالقرار الإداري لابد أن تتوفر فيه شروط الصحة بالنسبة
لأركانه، هذه الأخيرة تتجسد في وسائل المشروعية الخارجية، المتعلقة بالشكل الخارجي للقرار،


أو في وسائل المشروعية الداخلية المتعلقة بمحتوى القرار، فإذا كان القرار الإداري تتوفر فيه
أسباب الإلغاء مما يعني أنه غير مشروع، فان المتضرر من هذه القرارات غير المشروعة يلجأ
إلى القضاء الإداري للمطالبة بإلغائها والتعويض عن أضرارها، بحيث تعد دعوى الإلغاء
الطريق الوحيد لمهاجمة القرار الإداري غير المشروع، والتي يختص بها القاضي الإداري .
يسود الدول المعاصرة مبدأ ذو أهمية بالغة وخاصة، ألا وهو مبدأ المشروعية، الذي يرتبط
وجوده بدولة القانون، التي تسعى أن تكون أعمال الإدارة فيها وقراراتها مطابقة لأحكام وقواعد
القانون لما تقتضيه المصلحة العامة من جهة، ومن جهة أخرى ما تستدعيه الضرورة إلى حماية
الحقوق والحريات الفردية في مواجهة السلطات العامة لما لها من امتيازات ، والتي قد تؤدي
في بعض الأحيان إلى الإهدار بها والتعسف في استعمالها. الأمر الذي يستدعي بالأفراد إلى
الاستنجاد بالسلطة القضائية لصد هذه التجاوزات وإعادتها إلى الإطار القانوني الذي تفرضه
عليها دولة القانون، غير أنه على القاضي بدوره أن لا يتجاوز حدود سلطاته بالتدخل في عمل
الإدارة، فلطالما واجه القاضي الإداري صعوبة في تنفيذ أحكامه من قبل الإدارة لاسيما
لاصطدامه بفكرة عدم توجيه أوامر للإدارة، فلا يستطيع القاضي أن يحل محلها، إذ يعتبر مبدأ
حظر سلطات التدخل وتوجيه أوامر للإدارة من المبادئ المكرسة في القانون الإداري، ولا
يتردد مجلس الدولة في إلغاء الأحكام والقرارات القضائية التي تحتوي تدابير تتضمن حلولا أو
أوامر، باعتبار أن الإدارة ليست تابعة للقضاء، بل تشكل متقاضيا ذو طابع خصوصي، لكن
وبالنظر لانعكاسات ذلك على المنظومة القانونية من حيث بقاء القرار الإداري غير المشروع
قائما مما يشكل إخلالا بمبدأ المشروعية وانتقاصا من هيبة الدولة بتجميد نتائج عمل إحدى
 سلطاتها الرئيسية ألا وهي السلطة القضائية

، لذا كان لازما من المشرع التدخل لوضع حد
لإساءة الإدارة ورفضها للتنفيذ من أجل تمكين المتقاضي من الحصول على الحماية الفعلية
المقررة له قانونا .


إن الجزائر كغيرها من الدول وأمام قيام الإدارة بالامتناع عن التنفيذ، الأمر الذي يشكل تجاوزا
للسلطة ومخالفة للقانون كان لابد من إيجاد الوسائل القادرة على إرغامها على التنفيذ بطريقة
تأخذ بعين الاعتبار طبيعتها القانونية، سواء بواسطة آليات ذات طابع قانوني أو مالي، بوضع
حد لإساءة الإدارة ورفضها للتنفيذ من أجل تمكين المتقاضي من الحصول على الحماية الفعلية
المقررة قانونا ، لذا نص المشرع الجزائري على الغرامة التهديدية كوسيلة لضمان تنفيذ بعض
أحكام القضاء، وهو ما يتوافق مع القاعدة الدستورية القاضية بوجوب احترام تنفيذ الأحكام
القضائية في كل وقت وفي كل مكان وزمان وفي جميع الظروف، وذلك بغية إعطاء فعالية
أكبر للحماية القضائية في بعض الحالات التي لا يؤدي صدور الأحكام فيها إلى إشباع الحاجة
من الحماية القضائية التي تكفل حقوق وحريات الأفراد .
تظهر أهمية هذا الموضوع في كونه يحاول دراسة قواعد تهدف الى التوفيق بين متناقضين هما
سلطة الإدارة وصلاحياتها الواسعة وحقوق وحريات الأفراد المكفولة دستوريا وقانونيا .
فتتجلى أهميته الموضوع بتسليط الضوء على دور القاضي الإداري في حماية الحقوق
والحريات وما يملكه في مواجهة الإدارة وكذلك بيان حدود سلطته فالهدف من الموضوع إسقاط
مبدأ المشروعية على ارض الواقع مع طرفين ليسا متكافئين وهما الإدارة القوية في مقابل الفرد
الضعيف .
فأهمية الموضوع تظهر كذلك في بيان الوسائل التي يملكها الفرد في مواجهة هذه الإدارة من
خلال دعوى الإلغاء والتعويض .
كما إن سبب اختيار الموضوع هو محاولة تسليط الضوء على جانب من مبدأ المشروعية
ومساواة الجميع أمام القانون وكذلك حق الفرد في التقاضي لكن مع طرف غير عادي والذي
هو الإدارة بطبيعة الحال، وبيان دور القاضي في ذلك .

القضاء الاداري بين سلطة الادارة وحرية الافراد

من خلال الطرح السابق وأسباب اختيار الموضوع والتي تظهر في إسقاط مبدأ المشروعية على
أطراف غير متساويين أي الفرد والإدارة ولان النظر في ذلك من اختصاص القاضي الإداري
نطرح التساؤلات التالية :
اعتبارا أن الإدارة تتميز بسلطة وامتيازات وصلاحيات لا يتوفر عليها الفرد، ولان حقوق الفرد
وحرياته يحميها الدستور ولان القاضي الإداري هو المختص في مثل النزاعات التي تنشا بين
الطرفين ، فما هو دور القاضي الإداري في تحقيق التوازن بين المتقاضي الفرد والإدارة ؟
وما هي سلطته في ذلك؟ وإلى أي مدى تصل تلك السلطة ؟
في سبيل البحث والإجابة عن الإشكاليات المطروحة وفي سبيل الوصول إلى حلول قانونية
واضحة لها اتبعنا المنهج والتحليلي ، من خلال تحليل معاني النصوص القانونية وما قيل في
الموضوع من اجتهادات قضائية والذي يستدعى التمعن والتحليل .
لمحاولة الإلمام بالموضوع قدر الإمكان رأينا أن تكون الدراسة وفق فصلين اثنين، الفصل الأول
تضمن سلطات القاضي الإداري في مواجهة الإدارة وعرجنا على أهم محورين في هذا الصدد
من خلال مبحثين ، الأول كان سلطة القاضي الإداري من خلال الرقابة على أعمال الإدارة
والمبحث الثاني كان سلطة القاضي الإداري من خلال إحداث التوازن بين المتقاضي والإدارة .
أما الفصل الثاني والذي كان بعنوان حدود سلطة القاضي الإداري في مواجهة الإدارة فقد
تطرقنا إلى أهم قيدين للقاضي الإداري في مجال حماية الحقوق والحريات والذي ارتأينا أن
نتناوله من خلال مبحثين الأول بعنوان حدود سلطة القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة
والثاني بعنوان حدود سلطة القاضي الإداري في الحلول محل الإدارة

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات